الأمن المجتمعي- حماية الحقوق والحريات ومكافحة الاتجار بالأشخاص
المؤلف: أحمد الجميعة10.07.2025

الحرية الحقة لا تعني التحرر الطائش من منظومة القيم الراسخة والأسس المجتمعية المتينة، فالهامش المتاح لهذه الحرية في أي أمة لا يخول الفرد تجاوُز الحدود القانونية والأخلاقية السامية، أو إغفال المصالح الوطنية العليا في التعبير الحر، أو حتى المساس بكرامة الأشخاص ومكانتهم الرفيعة وخصوصياتهم المصونة بأي سبيل كان، وتحت أي ذريعة، والهدف الأسمى من كل ذلك هو ممارسة الضبط الاجتماعي الرشيد؛ مدعومًا برؤية ثاقبة وقدرة فائقة من الحكومة الرشيدة لتحقيق الأمن والاستقرار المنشود، وتعزيز التوازن الدقيق بين الحقوق والواجبات المتبادلة؛ وصولًا إلى مسؤولية مجتمعية واعية قادرة على استيعاب وفهم المتغيرات المتسارعة، والتعامل معها بحكمة وروية من خلال سلوك إيجابي بنّاء وتعايشي واقعي، وبعيدًا كل البعد عن أي تبعيات أخرى قد تفضي إلى اقتراف جريمة النيل من حقوق الآخرين المكفولة.
المملكة العربية السعودية، التي سنت الأنظمة والقوانين الرادعة للحفاظ على أمن المجتمع المتماسك وسلامة أفراده والمقيمين الكرام فيه من أي تعديات، تواصل بعزم وإصرار جهودها المباركة في مهمتين جوهريتين، مهمة وقائية استباقية وأخرى تنفيذية حاسمة لضبط الجريمة ومكافحتها والتحري الدقيق عنها، جنبًا إلى جنب مع جهودها الحثيثة في تحسين موقعها المرموق في التقارير الدولية ذات الصلة الوثيقة بحقوق الإنسان، وبالتالي لا يمكن الانفتاح الواعي على العالم الفسيح والتعايش الإيجابي مع شعوبه المتنوعة من دون أن يكون هناك تطوير شامل لمنظومة الحماية المجتمعية المتكاملة للمواطنين الأعزاء والمقيمين الأفاضل على حد سواء، وكذلك مواجهة بكل حزم جرائم الاتجار البشعة بالأشخاص التي تسلب حريتهم الغالية، وتهدر كرامتهم الإنسانية الرفيعة، من خلال تعزيز وتفعيل خطة العمل الوطنية الشاملة لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وآلية الإحالة الوطنية الفعالة للضحايا، والدور الحيوي للوحدات الفرعية المنتشرة في مناطق المملكة لتطبيق ذلك على أرض الواقع.
واليوم، ومع التوجيه السديد من سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بإنشاء الإدارة العامة للأمن المجتمعي ومكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص في المديرية العامة للأمن العام، تبدأ مرحلة جديدة واعدة من حوكمة إجراءات الضبط والتحري الدقيق لكل ما يمس الأمن المجتمعي المتين والتصدي الفعال لجرائم الاتجار بالأشخاص الدنيئة، مع احتفاظ جهات أخرى معنية بحقها الأصيل في التشريع المحكم، والرعاية الكريمة والدعم المتواصل، والتحقيق النزيه والادعاء العادل أمام القضاء الشامخ، والبحث العلمي والتوعية المستمرة، وتكون المسؤولية مشتركة وتكاملية، وأكثر تنسيقًا وتوافقًا بين الجهات ذات العلاقة الوثيقة، ولكن يبقى الأهم والأجدر بالذكر أن هناك جهة رسمية مسؤولة وفق الاختصاص عن الأمن المجتمعي الشامل ومكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص البغيضة، من خلال أربع مهام رئيسة محورية لمواجهة الجرائم الشنيعة التي تتعدى على الحقوق الشخصية المصونة، أو تنتهك الحريات المكفولة شرعًا ونظامًا، أو تتجاوز على كرامة الأفراد الأعزاء، جنبًا إلى جنب مع متابعة دقيقة لأنشطة الشبكات الإجرامية الخبيثة وتفكيكها والقضاء عليها بشكل كامل.
لا يمكن اليوم بأي حال من الأحوال أن يخرج أناس موتورون يمتلكون حسابات وهمية في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ويهددون أمن المجتمع المتماسك وسلامته العامة، وقيمه النبيلة وثوابته الوطنية الراسخة، أو آدابه الرفيعة، كما لا يمكن أبدًا أن تكون هناك شبكات إجرامية قذرة تمتهن الإنسان الضعيف في التسول المهين أو الدعارة الرذيلة أو الاستعباد القهري في الأعمال المخالفة للأنظمة والقوانين، وكل هذه الجرائم البشعة الموجودة في أي مجتمع من المجتمعات تحتاج إلى كيان متخصص يتولى باهتمام جمع بياناتها وتحليلها، والتوعية الشاملة منها، والحد من تداعياتها الخطيرة، واستشراف تطوراتها المتوقعة مع وجود وسائل تواصل متطورة عابرة للحدود السياسية والجغرافية.
مهمة «الأمن المجتمعي» ليست حكرًا على جهة اختصاص بعينها في الأمن العام، أو عبئًا ثقيلًا تتحمل تبعاته وزارة الداخلية وحدها، ولكنها مهمة تشاركية لمجتمع بأكمله من مؤسسات رسمية وأهلية وأفراد واعين؛ فالوعي المجتمعي ضروري وهام، ولكن الأهم والأكثر تأثيرًا هو أن نكون جميعًا على قدر المسؤولية العظيمة في مشروع التصدي الحاسم للجريمة التي تهدد أمن المجتمع واستقراره، وتحديدًا في التبليغ الفوري عن أي تجاوزات أو مخالفات، وأن تمارس الأسرة الكريمة دورها المحوري كأداة الضبط الأولى في المجتمع، وتتفاعل المدارس والجامعات والمعاهد العلمية بتخصيص فعاليات توعوية متواصلة طوال العام الدراسي، ويؤدي المسجد رسالته السامية في التوجيه والإرشاد، كذلك وسائل الإعلام المختلفة التي سيكون دورها مضاعفًا في مهمة تحضير المجتمع الواعي لمرحلة الحفاظ على الحقوق والواجبات معًا بتوازن واعتدال.